Fayrooziat

All prices are in Australian
dollars Inc. GST

Paperback

$4.99

$20.50

Digital Edition

Synopsis

مسقط جذوري, أم مسقط أرسي, أي شفاعة تغفر لي, إن سقط مني الغوص عميقا في جذوري, وبدايات طفلة تحبو, تتدرج, تتعثر, تتكئ على ذراع الأم, وتستند على ساق الأب, وتضيع الكلمات بين الحروف الأولى من غزة, وسط ازدحام الألم, وانتشار الفقر, وقصائد الوجع في ذهن الوطن, وأحيا ء متراصة تسيح. هي طفولة لم تطلب لعبة أطفال, أو فستان عيد, أو حقيبة رياض أطفال, بل تبحث بتلعثم أول تحريك شفتيها متحدثة, سائلة عن جغرافيا الصرخة المسلوبة, أين وطني؟ ! وماهي جغرافيته؟! بحث شاق يحمل براءة الطفولة, عرفت منه ما استوعب حجم وعيها, فعلمت أنها في غزة, الموسومة بغزة هاشم, مستهلمين كنيتها من التاريخ, الحي لهذا الشريط الساكن في حضن البحر الأبيض المتوسط, قابر غزاته, حاضن أبطاله, هازم ظلامه لتنخفض بعد كل موت حياة, وزهاء, وانطلاق.

إنها الصرخة الفيروزية الشقية, التي كسرت سكون الليل على إيقاع ميلاد شمعة, قالوا إنها (فيروز(, لتلتهم الإصرار على الحياة من ثدي أمها, وتبحث في عمق الأمل عن الاسم, والمسمى, والجغرافيا, وتدرك أن تضاريس الوطن ترتسم من ملامح (حي الدرج) (بني عامر), تلك الكتلة المرتفعة التي تطل برأسها في زهاء, وخيلاء, كنجم يعلو ويتسيد منصة العظماء, يرتل مع عبق البرتقال الفائح من بياراتها المحيطة, ودمع بساتين الزيتون, والفواكه, أرض خضراء, تنبت خيرا, وحبا, وأبطال, تغرس نبت الصمود في تضاريس تتحدى عواصف الاحتلال.

أشجار متشابكة, متعانقة في حفلة رقص حشماء, تزدان بكل الأزياء, برتقال, زيتون, فواكه, سرو, كينيا, تسجد بأطوالها الشاهقة في خشوع لطفلة ترى بها فلسطين... تخطو لتستكشف حدود حيها, فتتلاقى عيناها بطلاب يحملون حقائبهم المدرسية, يتسكعون يستريحون من عبء المشوار بحثا عن العلم, والمعرفة في حدود الحرمان, واللوعة لرسم لوحة الأمل. إ نها الأهزوجة الفلسطينية في رسم تراتيل الحياة, مع نسمات البحر المعانقة لغنوة الحي من قبلته الغربية, محتضن خشونة وعذابات الحياة, وقسوة الأيام, لترقص السنابل على أنغام الصمود, والإرادة, والأمل, والبقاء.

غزة, هي المدينة الوادعة التي نعيش في بحبوحة شاسعة من الهواء النقي, منازلها مترامية, يفصل بينهما مساحات شاهدة على بساطتها, والتي لم يغزوها الزحف العمراني, والتكاثر البشر ي, وخنق الطبيعة, والكتل البشرية والأسمنتية, بل هي المدينة التي تفرد ذراعيها لإحتضان المحرومين, وعابري السبيل , ومن قطعت بهم سبل المعيش.

المدينة التي لم تقسو عليها الحياة بعد, ولم تجرحها الأيام والآثام, ولم تحرق ابتسامتها طبول الحرب, واكتظاظ من اقتلعوا من الأرض, لاجئين, لتخرج من شرنقتها, وملامحها الطبيعية, وتصبح غزة حضن اللجوء, وتختفي بساتينها, وكرومها, وبياراتها, وتختنق نسمات هوائها, وتتحول لمخيمات تتكدس بها الأنفس البشرية المقتلعة من أرضها بفعل الهجمة الصهيونية, وتمضي غزة عابرة من مرحلة لأخرى, لنراها اليوم, بلا بساتين, بلا مساحات, بلا أشجار, تتكدس مبانيها, وتعانق مبانيها عنان السماء, وتزدحم شوارعها, ويصدح الضجيج في كل زواياها.

كبرت "فيروز" الطفلة, وبدأت تتعلم حروف الهجاء, وتحفظ أول الفاتحات, حرف (ف), وتقتحم جدران المدرسة, في رحلة العلم, متدرجة من مرحلة إلى أخرى, فكانت البداية بـ (بالمجدل) أ ي (مجدل), هو اسم مدرستها الإبتدائية, ليوشم في ذاكرتها, بداية المرحلة, ثم تمُّر بالمرحلة الثانية عبر (الرملة), ليعمق في ذهن الطفلة حفريات مدن الوطن المسلوبة, وتتعرف على أسماء المدن التاريخية, ثم تنتقل لمدرستها الأكبر, مدرسة الإنطلاق, والثورة, في المرحلة الثالثة (الزهراء)... للتتلمذ بفكر مدرسيها, من علموها أن الوطن نبضة, في قلب أنثى وادعة, ولتشعل حصص التربية الوطنية ثورة الوطن, السبيل الأوحد, فلا يبدأ يومها إن لم تقف منتصبة الهامة لتحية العلم, الموسوم بأهازيج الأمل الأربعة, لا رمزية إلا هو, ولا أجمل من ألوانه... رايتنا التي نحملها, ونقاتل بها, ونمضي وهي ترافقنا, نرفعها فوق أحلامنا, المداعبة لمآذن الأقصى, وأجراس المهد, ووديان, وربوع فلسطين... فكنا ننتصب بخشوع أمام هيبة رمزنا, بوقفة عسكرية صلبة, تعبر عن إرادة, واجلال, وحب, وايمان للوطن ورايته. فكانت آذاننا لا تسمع مع بدايات كل صباح, تتمرد عن إدراك أي شئ, سوى صوت جهور يصدح من إحدى الطالبات, صادحا (تحية العلم) تعظيم سلام, لترتعد أوصالنا, وتثور دمائنا, وتشجع قلوبنا )تعظيم سلام) وأي سلام لأرض السلام.